الباب اللي يجيلك منه الريح...

بسم الله الرحمن الرحيم

في الآونة الأخيرة، وبعد تدهور الحالة الإقتصادية والسياسية والأهم من ذلك تدهور الحالة الإجتماعية، تعالت أصوات كثيرة مطالبة بالتغيير. وبعد الثورة في عالم الفضائيات وإتساع الأفق الفكرية للشعب وظهور الكثير من المعارضين على الشاشات المستقلة الذين غالباً ما يُحاربون كي تُغلق أفواههم. قد تأثر عدد كبير بكلامهم ولكن الغالبية العظمىمن الشعب مازالت سلبية القول والفعل ظناً منهم أن السلبية تقيهم "السجن وقلة القيمة" في ظل دولة تعسفيّة أمنيّة تحكمها الدكتاتوريّة.
أكثر شيء يجعلني أتعجب هو التعليقات التي أسمعها من غالبية المصريين الذين إتخذوا موقف السلبية كأسلوب حياة، فبعد سماع تلك الفئة لبرنامج على قناة فضائية حرة أو قراءة مقال في جريدة مستقلة يهاجم النظام أو الحكومة، تكون تعليقاتهم دائماً على هذا النحو وهذه الوتيرة: "لااااااااا .. دا زودها قوي!".. هذا المواطن البسيط ينظر إلى الرئيس على أنه في منزلة الوالد الذي مهما أخطأ لا يستطيع أولاده تقويمه أو حتى التعقيب على تصرفاته، وذلك إحتراماً له وتعظيماً لقدره. أما الحكومة فهي العصا التي يضرب بها الوالد إبنه، فمهما قست العصى فإن الإبن يدرك أن ورائها حب كبير ويحركها خوف من الوالد عليه. وهذا خطأ، فلا يجوز تشبيه الرئيس بالأب، لأن الأب يفرض على الإنسان فلا يستطيع شخصاً إختيار أبويه، كما أن حب الوالد لأبنائه شيء فطري ومسئولية، أما الرئيس فالمفترض أنه قد أتى بناءاً على رغبة الشعب أو الغالبية من الشعب عن طريق إنتخابات حرة نزيهة. كما أن الإبن عندما يكبر يتوقف الوالد عن التدخل في خصوصياته وأمره، إنما يكتفي بالنصح والتوجيه، لأن الإبن حينها قد كون شخصيته المستقلة وعرف طريقه في الحياة.. فمتى سيكبر شعب مصر؟!!
عندما أكتب مقالاً موضحاً فيه وجهة نظري عادة ما ألقى نقداً واسع المدى من مختلف الأشخاص في حياتي، عائلة، أصدقاء أو أقارب. ودائماً أسمع جملة "عيب يابني مايصحش" فيكون دائماً ردي التلقائي والبديهي "وهوّ يصح اللي إحنا فيه دا!!". لم ليس لنا الحق دائماً في الإعتراض أو المطالبة بحقوقنا؟ لم يريدون حرماننا من أبسط حقوقنا وهي التفكير؟.. أتعجب كثيراً عندما يشتكي شخص من متاعب الحياة ويرسل في حديثه عن الأزمات المنتشرة في كل وسائل المعيشة ثم يكون دائماً الختام بجملة "برضو إحنا أحسن من غيرنا".. الرضى أمر جيد بل و مطلوب ولكنه يكون عن إقتناع وليس عن إضطرار أو بالمصري "قلة حيلة". فمن أين أتت جملة "إحنا أحسن من غيرنا" ؟ وعلى أي أساس بنيت؟ الواضح أن لا أساس لها من الصحة، ولم دائماً ننظر لمن هم أقل منا؟! لما فقدنا الطموح؟!!! ثم أننا في تدهور مستمر، وإذا إستمر الوضع على ما هو عليه، فلن نجد أحداً أسوأ منا حالاً.
أستسمحك يا سيدي، أزل الغشاوة التي على عينيك كي ترى.. السعودية أفضل منا إقتصاداً "عشان عندهم بترول" .. الإمارات أفضل منا إقتصاداً ومستوىً "وإحنا نطول نبقى زيهم!!".. حتى موريتانيا أقاموا إنتخابات حرة ويسيرون في طريقهم نحو الديموقراطية، أما نحن فقد بُحّ صوتنا مطالبةً بتغيير الدستور حتى ننعم بإنتخابات حرة نزيهة وتداول سلطة، ولكن ولا حياة لمن تنادي. لاحظ سيدي أنني لم أذكر دولة متقدمة واحدة، كل من ذكرتهم كانوا في يوماً من الأيام يعتمدون على مصر.. فآباءنا من علمهم، وآباءنا من بنى لهم بلادهم.. كانوا في يوم من الأيام مطمأنين لأن بجوارهم الشقيقة الكبرى. أين الشقيقة الكبرى الآن؟!! الشقيقة الكبرى تعاني ولا تزال تتكبر،  فحسبنا الله ونعم وهم نعم الوكيل.
في ظل هذا مازال هناك من يقولون: أن حرية الرأي يجب ألّا تستغل إستغلالاً خاطئاً، ومازال هؤلاء يوضحون في كل وقتٍ وفي كل حينٍ الفرق والمقارنة المحفوظة بين الحرية في التعبير عن الرأي وبين "التطاول وقلة الأدب". أين التطاول في وصف السارق بالسارق أ وصف المرتشي بالمرتشي؟! أم أن الحرية في قاموسكم هي الفساد والرشوة والواسطة والمحسوبية! والتطاول هو كشف حقيقة السارق والمرتشي والشكوى من تدهور الحال والمطالبة بتغيير نحو الأفضل! ثم أين تلك الحرية المزعومة؟! إذا كان الناس خايفة تتكلم وحتى خايفين يسمعوا.. إذا كان الصحفيين لسه بيتحبسوا بسبب رأيهم.. ويوم ما الشباب نظموا نفسهم وخرجوا في مظاهرة سلمية للتعبير عن رأيهم إضربوا من الأمن، وبعد كده يتكلم عن الفوضوية. للأسف لا يوجد حرية كاملة في مصر، وإنما هناك مساحات من الحرية (على حد تعبير سيادته).. "هذه المساحات قد تتسع أو تضيق حسب سعة صدر النظام"(إبراهيم عيسى)
الشعب المصري يتعامل بمبدأ "الباب اللي يجيلك منه الريح.. سده وإستريح". أي أنه إذا كان الكلام سيسبب المشاكل، فإن هذا الشعب يفضل السكوت "بلاها كلام". وإن كان الإعتراض يجلب الهم، فإن الرضى هو الحل. وبما أن الحال لا يُرضي عاقل، فيلجأ هذا الشعب دائماً إلى الوهم.. فالبعض يوهم نفسه أن الحال ممتاز، وإن وُجدت أزمة فستزول قريباً، والحال في تحسنٍ مستمر كما يقول المسئولون. البعض الآخر يلجأ إلى لوم نفسه ويوهم نفسه أن سبب المشاكل نابع من تقصير منه. أما الأغلبية من الشعب فيوهمون أنفسهم أن أوضاعهم السيئة بسبب إهمال أشخاص آخرون، ومنهك من يؤكدون لأنفسهم أن الحكومة هي سبب مشاكلهم ولكنهم لا يجرئون على قولها علانيةً. والمواطن الغلبان مشغول في الجري وراء لقمة العيش.
هذا النظام قد ربى الشعب على الطاعة حتى أصبح أليفاً مطيعاً لمربيه، لا يجروء الإعتراض أو حتى النظر في عين مربيه نظرة لوم. هذا المربي يمسك في يده سوطاً منذ 29 عاماً لا يريد أن يفلته خوفاً من أن يفترسه الشعب الذي صبر كثيراً ولو أحس بخوف مدربه ثار عليه، هذا السوط هو قانون الطواريء الذي تم الموافقة عليه في مجلس الشعب قريباً ليمتد خلال السنتين القادمتين. متى سيتعلم هذا الشعب أن حقه المسلوب لن يأت بالطاعة المفرطة، وأن سكوته هو سبب مشاكله. متى سيدرك هذا الشعب أنه قد حان الوقت للإنتفاض والتغيير وفتح الباب على مصرعيه والتصدي للريح.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More