الباب اللي يجيلك منه الريح...

بسم الله الرحمن الرحيم

في الآونة الأخيرة، وبعد تدهور الحالة الإقتصادية والسياسية والأهم من ذلك تدهور الحالة الإجتماعية، تعالت أصوات كثيرة مطالبة بالتغيير. وبعد الثورة في عالم الفضائيات وإتساع الأفق الفكرية للشعب وظهور الكثير من المعارضين على الشاشات المستقلة الذين غالباً ما يُحاربون كي تُغلق أفواههم. قد تأثر عدد كبير بكلامهم ولكن الغالبية العظمىمن الشعب مازالت سلبية القول والفعل ظناً منهم أن السلبية تقيهم "السجن وقلة القيمة" في ظل دولة تعسفيّة أمنيّة تحكمها الدكتاتوريّة.
أكثر شيء يجعلني أتعجب هو التعليقات التي أسمعها من غالبية المصريين الذين إتخذوا موقف السلبية كأسلوب حياة، فبعد سماع تلك الفئة لبرنامج على قناة فضائية حرة أو قراءة مقال في جريدة مستقلة يهاجم النظام أو الحكومة، تكون تعليقاتهم دائماً على هذا النحو وهذه الوتيرة: "لااااااااا .. دا زودها قوي!".. هذا المواطن البسيط ينظر إلى الرئيس على أنه في منزلة الوالد الذي مهما أخطأ لا يستطيع أولاده تقويمه أو حتى التعقيب على تصرفاته، وذلك إحتراماً له وتعظيماً لقدره. أما الحكومة فهي العصا التي يضرب بها الوالد إبنه، فمهما قست العصى فإن الإبن يدرك أن ورائها حب كبير ويحركها خوف من الوالد عليه. وهذا خطأ، فلا يجوز تشبيه الرئيس بالأب، لأن الأب يفرض على الإنسان فلا يستطيع شخصاً إختيار أبويه، كما أن حب الوالد لأبنائه شيء فطري ومسئولية، أما الرئيس فالمفترض أنه قد أتى بناءاً على رغبة الشعب أو الغالبية من الشعب عن طريق إنتخابات حرة نزيهة. كما أن الإبن عندما يكبر يتوقف الوالد عن التدخل في خصوصياته وأمره، إنما يكتفي بالنصح والتوجيه، لأن الإبن حينها قد كون شخصيته المستقلة وعرف طريقه في الحياة.. فمتى سيكبر شعب مصر؟!!
عندما أكتب مقالاً موضحاً فيه وجهة نظري عادة ما ألقى نقداً واسع المدى من مختلف الأشخاص في حياتي، عائلة، أصدقاء أو أقارب. ودائماً أسمع جملة "عيب يابني مايصحش" فيكون دائماً ردي التلقائي والبديهي "وهوّ يصح اللي إحنا فيه دا!!". لم ليس لنا الحق دائماً في الإعتراض أو المطالبة بحقوقنا؟ لم يريدون حرماننا من أبسط حقوقنا وهي التفكير؟.. أتعجب كثيراً عندما يشتكي شخص من متاعب الحياة ويرسل في حديثه عن الأزمات المنتشرة في كل وسائل المعيشة ثم يكون دائماً الختام بجملة "برضو إحنا أحسن من غيرنا".. الرضى أمر جيد بل و مطلوب ولكنه يكون عن إقتناع وليس عن إضطرار أو بالمصري "قلة حيلة". فمن أين أتت جملة "إحنا أحسن من غيرنا" ؟ وعلى أي أساس بنيت؟ الواضح أن لا أساس لها من الصحة، ولم دائماً ننظر لمن هم أقل منا؟! لما فقدنا الطموح؟!!! ثم أننا في تدهور مستمر، وإذا إستمر الوضع على ما هو عليه، فلن نجد أحداً أسوأ منا حالاً.
أستسمحك يا سيدي، أزل الغشاوة التي على عينيك كي ترى.. السعودية أفضل منا إقتصاداً "عشان عندهم بترول" .. الإمارات أفضل منا إقتصاداً ومستوىً "وإحنا نطول نبقى زيهم!!".. حتى موريتانيا أقاموا إنتخابات حرة ويسيرون في طريقهم نحو الديموقراطية، أما نحن فقد بُحّ صوتنا مطالبةً بتغيير الدستور حتى ننعم بإنتخابات حرة نزيهة وتداول سلطة، ولكن ولا حياة لمن تنادي. لاحظ سيدي أنني لم أذكر دولة متقدمة واحدة، كل من ذكرتهم كانوا في يوماً من الأيام يعتمدون على مصر.. فآباءنا من علمهم، وآباءنا من بنى لهم بلادهم.. كانوا في يوم من الأيام مطمأنين لأن بجوارهم الشقيقة الكبرى. أين الشقيقة الكبرى الآن؟!! الشقيقة الكبرى تعاني ولا تزال تتكبر،  فحسبنا الله ونعم وهم نعم الوكيل.
في ظل هذا مازال هناك من يقولون: أن حرية الرأي يجب ألّا تستغل إستغلالاً خاطئاً، ومازال هؤلاء يوضحون في كل وقتٍ وفي كل حينٍ الفرق والمقارنة المحفوظة بين الحرية في التعبير عن الرأي وبين "التطاول وقلة الأدب". أين التطاول في وصف السارق بالسارق أ وصف المرتشي بالمرتشي؟! أم أن الحرية في قاموسكم هي الفساد والرشوة والواسطة والمحسوبية! والتطاول هو كشف حقيقة السارق والمرتشي والشكوى من تدهور الحال والمطالبة بتغيير نحو الأفضل! ثم أين تلك الحرية المزعومة؟! إذا كان الناس خايفة تتكلم وحتى خايفين يسمعوا.. إذا كان الصحفيين لسه بيتحبسوا بسبب رأيهم.. ويوم ما الشباب نظموا نفسهم وخرجوا في مظاهرة سلمية للتعبير عن رأيهم إضربوا من الأمن، وبعد كده يتكلم عن الفوضوية. للأسف لا يوجد حرية كاملة في مصر، وإنما هناك مساحات من الحرية (على حد تعبير سيادته).. "هذه المساحات قد تتسع أو تضيق حسب سعة صدر النظام"(إبراهيم عيسى)
الشعب المصري يتعامل بمبدأ "الباب اللي يجيلك منه الريح.. سده وإستريح". أي أنه إذا كان الكلام سيسبب المشاكل، فإن هذا الشعب يفضل السكوت "بلاها كلام". وإن كان الإعتراض يجلب الهم، فإن الرضى هو الحل. وبما أن الحال لا يُرضي عاقل، فيلجأ هذا الشعب دائماً إلى الوهم.. فالبعض يوهم نفسه أن الحال ممتاز، وإن وُجدت أزمة فستزول قريباً، والحال في تحسنٍ مستمر كما يقول المسئولون. البعض الآخر يلجأ إلى لوم نفسه ويوهم نفسه أن سبب المشاكل نابع من تقصير منه. أما الأغلبية من الشعب فيوهمون أنفسهم أن أوضاعهم السيئة بسبب إهمال أشخاص آخرون، ومنهك من يؤكدون لأنفسهم أن الحكومة هي سبب مشاكلهم ولكنهم لا يجرئون على قولها علانيةً. والمواطن الغلبان مشغول في الجري وراء لقمة العيش.
هذا النظام قد ربى الشعب على الطاعة حتى أصبح أليفاً مطيعاً لمربيه، لا يجروء الإعتراض أو حتى النظر في عين مربيه نظرة لوم. هذا المربي يمسك في يده سوطاً منذ 29 عاماً لا يريد أن يفلته خوفاً من أن يفترسه الشعب الذي صبر كثيراً ولو أحس بخوف مدربه ثار عليه، هذا السوط هو قانون الطواريء الذي تم الموافقة عليه في مجلس الشعب قريباً ليمتد خلال السنتين القادمتين. متى سيتعلم هذا الشعب أن حقه المسلوب لن يأت بالطاعة المفرطة، وأن سكوته هو سبب مشاكله. متى سيدرك هذا الشعب أنه قد حان الوقت للإنتفاض والتغيير وفتح الباب على مصرعيه والتصدي للريح.

آسف يا والدي


بسم الله الرحمن الرحيم

عارفك زعلان ومتضايق عشان للظالم بأقول لأ
خايف عليا مش طايق فكرة في يوم في سجن أتزق
حقك يا والدي تتخانق معايا لما أطالب حكومتي بحق
خوفك هايبقى مش فارق بكرة هانحط إيدينا في الشق
نشحت ونسرق ونتقاتل ونتحارب على اللقمة
غابة أشجارها بتتمايل فيها وحوش مافيش ذمة
وكبارها ريقهم سايل بكروش مايشبعوش دم ولحمة
وغلبان للهم شايل يتعب ويشقى وملبسينه عمة
قول لي ياوالدي لو يرضيك الحال أطلع أهلل وأقول شعارات
أنافق عشان شوية مال أبوس مسئول مسئول وأخدم باشاوات
دا أول ما سمعت الكرامة بتتقال على لسانك وأفعالك كانت دلالات
وإلّا أسكت وأقول الحال عال عايش بجسمي وعقلي مات
أصل السكوت دلوقتي حرام يا أكون راجل يا أكون عيل
لما الرئيس يقول كلام يأفلم علينا ويتخيل
ومايطلعش ولا عاقل يقول الصح ويحلل
يبقى عليكي يا دنيا السلام وأحسن لي أدخل أقيل  (آخذ قيلولة)
حاولت يا والدي ماقدرتش أكون سلبي وماتكلمشي
عملن كأني ماسمعتش ومش شايفه قصاد وشي
بجح بيجر في خناقي يضرب ويقول لي ماعملشي
هو عشان بحب بلدي أبقى بأزن على خراب عشي
ما هو قالها بلسانه فيه حرية  وإلّا دا كلام بيرجع فيه
وإلّا حرية كروية لأي نادي أنتمي ليه
قال على الشباب فوضوية عشان قالوا مش راضيين بيه
حبسهم مع الحرامية وحرمهم من الإمتحانات وأهو دراع يلويه
فاكر إنه بيسيطر لما بالعنف يتحكم
مبدأ عمره ما يتغير في قلب شباب مهما إتألم
ولما من ظلمك نتحرر هانتحسن ونتقدم
ونبدأ نخطط ونسطر ورقة بيضا فيها نحلم
 آسف يا والدي طلع لي صوت غصب عني لما شوفت العار
نصدر غاز لليهود ونحبس إخواتنا بجدار
والعروبة دي شبعت موت وحواليها ألف حصار
يا والدي ماتستناش مني وعود أنا هاتكلم مهم صار
ما أقدرش أكسّر ليك كلمة بس إنت ربيتني ع الصح
آخد حقي من الظلمة وأبقى شجاع يوم ما الشجاعة تشح
ولا أستني حكومة ولا قمة يغيروا حالي من حزن لفرح
على قد عمري عشت طواريء من غير توضيح من غير شرح
ويوم ما أتكلم يتقال لي  إسكت مالكش حق تقول
وإنت يا والدي تكتب لي  إحذر يا ولدي بطش إيد مسئول
وتوعدني وتحلف لي  هاتزعل لو كلامي يطول
آسف يا والدي ماتزعلشي ابنك واقف في وش الغول
سيبني يا والدي أحاول وأهو يمكن حاجة تتغير
عايش الحلم وأنا قايل نفسي البلد دي تتنور
ومهما في طريقي هاقابل صعوبات عمري ماهتدوّر
دا انت قلت ع كلامي هايل فليه أسكت وليه أبرر
يمكن أنا اللي هايرجع كرامة إتهانت من بدري
سني صغير وإيه يمنع شافني الأمن طلع يجري
أرجع حقنا "المصلوب" في لبنان إتلمّوا ع المصري
وفي الخليج بنتقطع لأجل دينار أو ريال يغري
وولي أمري قاعد في قصر مش عارف وخايف يحميني
والحمد لله جاب لنا النصر بكأس الأمم ينسيني
إهانة شعبين بدون حصر مصري جزايري ع العروبة تقسيني
كرامة المصري من كرامة مصر وعملت إيه لمروة الشربيني
وعايزني أسكت وماتكلمش يا والدي دا الحقيقة مرة
ومنين هاأجيب لولادي الوش وأقول دا بلدكم بلد حرة
هاتكلم بس ماتزعلش دا زعلك بيقطعني من جوة
وإدعي لبلدنا
أصله زعيم بمليون وش ماطلعش راجل ولا مرة


البرادعي.. ماذا و كيف؟!!

بسم الله الرحمن الرحيم

في الآونة الأخيرة تردد إسم الدكتور محمد البرادعي كثيراً في الأوساط السياسية، فتسائل الكثيرون ماذا يريد من مصر؟ و كيف يكون رئيساً لمصر شخص عاش عمره خارجها؟ وكأنه قد فعل جرماً بسفره خارج مصر، أم أن المواطن البسيط لا يستطيع تخيل التغيير، فمعظم هذا الجيل قد ولدوا وجدوا الحال على ما هو عليه لا يتغير، وها قد جاء شخص فجأة يدعو إلى التغيير، كيف؟! فقد تربى هذا الجيل على حب النظام حتى أصبح أليفاً. هذا الجيل فقد حتى الحلم الذي كان يشع بصيص الضياء الوحيد الذي كان يبصر من خلاله جيل يعيش بين ظلام حالك إبتلع شمس الأمل فيه، فأصبح هذا الجيل لا يملك سبباً في الحياة،فتراه يشغل نفسه بما لا يفيد كي ينسى حاله الذي تدمع له أعين الأعادي من إرتفاع أسعار وتدني مستوى المعيشة وبطالة وغيرها، وتراه يغامر بحياته في البحر محاولاّ إيجاد طريقه في الهجرة وإن كانت غير شرعية، وتراها تريد الزواج بأي رجل ظناً منها أنه المجال الأوحد للهروب مما هي فيه، فترتفع نسب الطلاق والمشاكل الزوجية. وماذا كنت تنتظر من شباب علمتهم السلبية واللا مبالاه؟! كيف لك أن تحاسبهم بعد ذلك؟!! 
جاء البرادعي بمثابة الأمل المفقود لدى البعض أما الأغلبية المتشائمة فترى أن قدومه كعدمه وأن لا شيء سيتغير، في إعتقادي الشخصي المتواضع أن الأحداث التي نمر بها حالياً بعد قرار البرادعي بخوض الإنتخابات تبشر بخيراً بإذن الله، ليس بسبب أن البرادعي هو صلاح الدين الأيوبي الجديد وهو من سيغير مصر بين ليلة وضحاها، بل بسبب متابعة جميع فئات الشعب الأحداث المتلاحقة بشغف، الأمر الذي خلقه جديداً البرادعي في الشارع المصري لم يكن موجوداّ في السابق.
*إذاً ماذا يريد البرادعي من مصر والمصريين؟
البرادعي عندما قرر خوض حرب الإنتخابات الرئاسية جاء بفكر جديد مبني على فكرة التغيير، فأعلن أنه يريد خوض إنتخابات الرئاسة لعام 2011 فرحب مؤيدوه بهذا، وكان هذا يتطلب من البرادعي الإنضمام لحزب لكي يترشح من خلاله، وهو ما رفضه البرادعي نظراً إلى ضعف الأحزاب في مصر مقارنةً بالوطني الحاكم الأمر الذي يقلل فرص أي مرشح أمام مرشح الحزب الوطني، فقرر البرادعي أن يكون مستقلاً، وهذا مخالف للدستور المصري الذي يحتم الترشح من خلال الأحزاب. أنشأ البرادعي الجمعية الوطنية للتغيير (
الموقع الرسمي من هنا) والتي تهدف إلى تعديل 3 مواد من الدستور المصري لضمان إنتخابات نزيهة حرة تؤدي إلى رئيس إختاره المصيون بالأغلبية، وهذا الأمر لا يكفله الوضع الحالي، فتأسست الجمعية وإلتف حولها معظم المعارضة حتى المعارضين لفكر البرادعي لتوحيد كلمتهم أمام الحكومة ولكفالة حرية الترشح ونزاهة الإنتخابات الرئاسية. وكانت هذه الثلاث هي المواد 76 و 77 و 88. بتغيير هذه المواد الثلاث يسهل الترشح للإنتخابات بدلاً من وضع شروطاً تعسفية الغرض منها تقليل المنافسة، وسيكون لكل رئيس فترتين رئاسة كل واحدة أربع سنوات لا يحق له بعدها الترشح مجدداً مما يضمن تداول السلطة والذي هو أول شروط الديموقراطية، وأيضاً ستتم الإنتخابات تحت إشراف قضائي تام حتى تضمن النزاهة والشفافية. بتغيير هذه المواد الثلاث سيضمن المواطن أن صوته عندما يدخل صندوق الإنتخابات لن يزور أو يبدل، سيضمن المواطن أن المرشح الناجح فاز بالأغلبية ليس بتزوير أو بطرق غير شرعية.
*وكيف يكون رئيس مصر شخص قد عاش عمره بالخارج؟ وما فائدة التغيير إذا تولى الحكم من هو في الستينات من العمر؟
عمل البرادعي رئيساً لوكالة الطاقة الذرية أي أنه قضى فترة من عمره خارج البلاد، وهذا لا أعتبره نقطة ضعف في البرادعي، فالإنسان مهما غاب عن بلده يظل يحبها ويتابع أحوالها وأخبارها، وقد يكون هذا المقيم بالخارج محباً لمصر أكثر ممن هو مقيم بها، ثم إن شخصية بحجمه في الأمم المتحدة يجب أن يكون مطلعاً على أحوال البلاد المختلفة فما بالك ببلده؟! البعض يقول: كيف سيشعر بمشاكل المواطن البسيط؟
لم لا يشعر به؟ أم أن هذا البسيط يُحَسٌّ بمشاكله النظام منذ 30 عاماً، أو أن من يقيم بشرم الشيخ يطلع على حياة المواطن اليومية ويراعي متطلباته.. -لكان الحال تغير-. أو أنكم تنتظرون إبن القصور المدلل أن يحس بأزمات الفقير، كيف لمن تربى على الكافيار أن يشعر بجوع مواطن يقف في طابور الخبز أو أنابيب البوتاجاز كي يطعم عائلة؟
هناك من يقول أيضاً أن البرادعي كبير السن لن يأت بتغيير، أقول لهؤلاء أن العمر لا علاقة له بالتفكير، فكم من شاب ذو فكر أصابته الشيخوخة يتبع أسلافه القدامى كما يقول الكتاب دون تعديل حتى أصبح مثلهم، وكم من عجوز ذو فكر شاب قوي يخاطب عقول الشباب ويعرف الطريق إلى إقناعهم، فمن بنظرك أفضل؟! كما أريد تذكير هؤلاء أن الرئيس الحالي محمد حسني مبارك قد بلغ الـ 82 من العمر (بارك الله في عمره وعافيته)
دون شك الحياة السياسة في مصر تحتاج الدكتور محمد البرادعي لأنه هو الأول الذي عرف كيف يتعامل مع معركة الإنتخابات من جهة، وعرف كيف يخاطب عقول المجتمع المصري من جهة أخرى. على الأقل يجب علينا الإلتفاف حوله الآن حتى نحصل على مطالبنا وحقوقنا.


ك يف يكون ر

قطر الصعيد

بسم الله الرحمن الرحيم


من ركب "قطر الصعيد" يعرف تماماً ما هو مقدار الإنسان المصري في عين حكومته، يعرف مقدار الضؤل الذي ترى به عين الحكومة المواطن المصري "الغلبان".. فمهما قال مسئول في خطب أو في لقاءات تليفزيونية عن تطوير أو إصلاح فلن يلقى تصديقاً من الناس أو ينخدع في كلامه أحد. الناس الذين يركبون "قطر الصعيد" معظمهم بسطاء لا يجدون أبسط حقوقهم في الحياة وهي عيشة كريمة لهم ولأسرهم. وهؤلاء الركاب هم خلاصة الشعب المصري الكادح عشان لقمة العيش.
فقد شبهت مصر بقطر الصعيد القوي الذي يمشي مسافاتٍ طويلةٍ دون تعبٍ أو تكاسلٍ رغم إهمال المسئول عنه، وأعتقد أنه تشبيه صحيح من حيث أنه يستوعب كل ركابه دون أن يفريق بينهم، وأنه أصيل عتيق يعاني من الإهمال والمحسوبية والفساد تلك الأمور التي قد تقلل من قيمته وأهميته في نظر البعض ممن يرون الأمور من خارجها، أعتقد أن الشعب المصري بجميع فئاته هم ركاب قطر الصعيد، واللذين ترتبوا في طبقات مجتمعية ممثلة في الدرجات الأولى والتي تضم الأرسطوقراطيون من المجتمع ورجال الأعمال، والثانية  تمثل الطبقة الوسطى والتي هي في طريقها للإنقراض حيث إنقسم ركابها، منهم قليل إنتقلوا إلى الدرجة الأولى، أما معظمهم بقوا في هذه الدرجة التي بالتدريج تحولت إلى شبيه للدرجة الثالثة، أما الدرجة الثالثة فهي الطبقة الفقيرة التي تعدت 40% من إجمالي سكان مصر. وكما أن قطر الصعيد دائماً ما يأتي متأخراً عن معاده، فكذلك مصر متأخرة عن العالم الذي سبقها منذ عصور، ولكن عادة قطر الصعيد يعوض تأخيره في الطريق ويصل نسبياً في معاده فهل ستصل مصر إلى من سبقوها في يوم من الأيام؟! قطر الصعيد دائماً ما يكون مزدحم مليءً بالركاب الذين إنهرسوا بين جدران عربات القطار كما هو الحال في شوارع مصر التي أصبحت أشبه بعلب التونة المفتتة ضيقة ومزدحمة. الكومساري داخل القطار له سلطة كبيرة على الركاب بداعي حفظ الأمن والنظام وتأمين الراحة للركاب، ولكن ذلك الكومساري غالباً ما يستخدم سلطته للتكبر على الركاب (يختلف التعامل على حسب الدرجات، فركاب الدرجة الأولى يلقون التودد من قبل الكومساري أما باقي الدرجات فبياخدوا على دماغ أبوهم) وهذا يقترب في مخيلتي من وضع الحكومة مع الشعب، فوظيفة الحكومة هي خدمة الشعب (كما يقول الشعار القديم للشرطة "الشرطة في خدمة الشعب" والذي تحول إلى "الشعب والشرطة في خدمة الوطن") ولكن الواضح للعيان أن تلك الوظيفة تحولت إلى البلطجة على الشعب وقلة راحته بموجب السلطة المخولة إليهم (أما الطبقة الراقية من أغنياء المجتمع يأخذ أصحابها أكثر من حقهم حتى بدون أن يطالبوا به). وعندما يطالب الركاب البسطاء الكومساري بشيء من حقوقهم (كمعرفة سبب عطل القطار مثلاً)، يلقون منه رد فعلٍ غاضب وكأن ليس من حقهم الكلام أصلاً، وعندما يرد على سؤالهم غالباً ما يعتم الحقيقة ظناً منه أن ذلك سيسكتهم، فيتعلم الركاب ألّا يصدقوه بعدها وهنا تفقد الصلة بين الركاب والكومساري كما فقدت بين الشعب والحكومة، أما عمال النظافة في القطر يذكروني بعساكر الأمن العام، هم في الواجهة فيلامون من الجميع وعلى كل شيء مع أنهم عبد المأمور. الركاب يثقون في السائق مع انهم لم يروه، لا يتجرأ أحد أن يعدل على السائق كما لو أنه هو الوحيد الذي يعرف كيف يقود المسيرة، مع اننا لو إفترضنا أن هذا السائق أضاع الطريق فكل هؤلاء الركاب قد ضاعوا ورائه، ولكن حينها هل يستطيع أن يحاسبه أحد؟! وكيف سيعرف الركاب أنهم قد أضاعوا الطريق إلا بعد فوات الأوان؟! هذا السائق هو من يأمر الكومساري بتهدأة الركاب حتى لا تقوم ثورة. قطر الصعيد عرف عنه أنه دائماً ما تقع حوادثه في منطقة العياط، ومع ذلك لا يتغير شيء، ودائما ما يحاسب شخص يقدم على إنه كبش فداء حتى يحمي من وراءه من كبار الفساد، وحتى وإن تغير الوزير، فلا يتغير شيء، فكم وزيراَ قد أتى ومازالت الحوادث تقع، هذا يمثل طريقة الحكومة في التعامل مع المواقف الحرجة. ركاب قطر الصعيد لا يتكلمون ولا يطالبون بحقوقهم، صابرون لا يحصدون من صبرهم سوى المزيد من الصبر، ولكن هذا الصبر لا يدوم طويلاً، فعندما يفقدوا صبرهم يتحولوا إلى وحوش لا ترى أمامها، ينزلوا في فوضاوية وعشوائية يأكلوا الأخضر واليابس دون تفريق، ولكن تلك العشوائية تفقدهم حقهم في المطالبة بحقوقهم ولا يحصدوا منها إلا الدمار، فهل سينتبه سائق القطر أن الركاب بدأ صبرهم في النفاذ؟! وهل سيظل السائق يعتمد على الكومساري في تهدئة الركاب إلى أن تحدث الثورة؟! يجب على السائق أن يدرك أن الخطر بدأ يهدده وأن عليه تغيير سياسته.
ما يعجبني في هؤلاء الركاب أنهم ذوي صدر رحب، يتعارفون خلال فترة الطريق ولا يلتقوا بعدها، ولكنك إذا رأيتهم يتحادثون تحسبهم أصدقاء منذ زمن، لا ينظر كل منهم إلى تاريخ الآخر أو مساوءه، ولا يهتم أحد بديانة زميله في السفر فكلهم مصريون ذوي "قلب أبيض" متشاركون في مسيرة واحدة وطريق سفر واحد. 
قد أكون ذقت المر بين عربات "قطر الصعيد" ولكن في كل مرة كنت أركبه كنت أتعلم منه الكثير، كنت أستمع إلى حكاوي الناس الذين يحاولون قتل الملل بالحديث بإندهاش وما في كل حكاية من غرائب.. ربنا يتوب علينا منه بس أكيد هايوحشني.


Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More