الجامعة.. تقويم وإصلاح وتهذيب

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا توقفت لوهلة أمام مدخل جامعة مصرية عادية وتأملت ما يحدث أمامها، فمن الطبيعي أنك ستجد أفراد من الشرطة يقفون يطالبون من يريد الدخول إلى الجامعة بإبراز بطاقة تعريف بالشخصية. هذا ما نراه يومياً ونجده عادياَ، بل ضرورياَ لحفظ الأمن والنظام بالجامعة. لكن إن رآى ذلك سائحاً فقد يظن أنه أمام هيئه عسكرية. ذلك يعني أن وجود هؤلاء الأفراد ليس أمراً طبيعياً، ولإنما أمراً فرضه قانون الطواريء الذي يحكم البلاد.
فهؤلاء الأفراد من الشرطة ليسوا موجودون لحفظ الأمن أو لإحلال النظام، وإنما وُجِدوا لهدف آخر، ولا تحتاج إلى التفكير طويلاً للتوصل إلى هذا الهدف. فالهدف من وجودهم هو تحجيم حرية الطلاب، بمعنى آخر توجيه نشاط الطلاب إلى ما فيه مصلحة النظام الحاكم. فكأي مكان في مصر لا توجد حرية بمعناها الصحيح وإنما توجد مساحات من الحرية لا تستطيع تعديها. وخاصة أن الجامعة دائماً ما عرفت بأنها بادئة شرارة أي نشاط سياسي. فطالب الجامعة هو شخص في أولى مراحل تكوين شخصيته، يحاول التعرف على ذاته، خرج مؤخراً من مرحلة المدرسة بقيودها الكثيرة ليجد نفسه أمام قدر من الحرية لم يعتده. فيحاول في هذه المرحلة فهم ما يدور من حوله والتعمق في أحداثه. فينجذب إلى نشاطات لم يكن يعرفها، يرى فيها ذاته. إما ينجذب إلى سياسة، وغالباً ما يتحول إلى ناقم على الأوضاع، معارضاً للنظام. أو ينجذب إلى التطرف الديني، فيصبح غاضباً على المجتمع وعلى رأسه النظام الذي يقود البلاد إلى الرذيلة ويبعدها عن طريق الصلاح وطاعة الله.
هنا وجد النظام أنه مغضوب عليه من الفئتين، وإن لم يُعَامَل الموقف قد تسوء الأوضاع، ويصبح هناك خطر يهدد أمن النظام. فكان من النظام أن ضيق الخناق على هؤلاء الشباب الذي يقودهم الحماس حتى لا يفتعلوا المشكلات. وكان الإضطهاد المستمر لهم هو الحل حتى يكونوا مثالاً على ما سيحدث لكل من يفكر مثلهم. فرؤية أشخاص يُدمر مستقبلهم بالكامل وتضيع أحلامهم بين جدران الزنزانة كفيل بإبعادك عن كل ما فعلوه.
رغم كل هذا ظهر شباب لا يهابون هذا، مستعدون لتقديم التضحيات في سبيل ما يؤمنون به. وإن زادت الوحشية في ردعهم، وإن تعرضوا للضرب والإهانة دون تمييز بين ذكرٍ وأنثى، رغم قلة عددهم مقارنةً بمن هابوا الأمر واستعظموه. إلا أن هؤلاء الشباب صمدوا وإستطاعوا كثيراً إيصال رأيهم.
داخل أي جامعة مصرية، أي نشاط طلابيّ، يشترط فيه أن يحصل على موافقة الحرس الخاص بالكلية، وأن تُتابع تطوراته بإستمرار عن طريق تقارير دورية. وبالطبع الموافقة من الأمن مرهونة بخلو النشاط من أي طابع سياسي أو ديني. وإن تحدت مجموعة من الطلاب ذلك، فسكون عليهم غضب الأمن، وسيتحولون في نظر الأمن إلى جماعة محظورة تهدد أمن البلاد وإستقرارها، وقد يصبحون يتلقون دعم من الخارج للقضلء على مستقبل الدولة.
الخلاصة أن الجامعة في مفهوم النظام أصبحت أداة تقويم وإصلاح وتهذيب لمن يعرض عن تقديم فروض الطاعة، بمعنىً آخر.. أصبحت الجامعة هي السجن الذي يحبس فيه النظام عقول الشباب في مراحل تكوين الشخصية بعيداً عن أي إعتراض على خطأ أو  رغبة في التطور أو تحسين الحال. أصبحت الجامعة مكان لتعلُّم السلبية.

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More