ما بعد مبارك

بسم الله الرحمن الرحيم

نجحت الثورة، بفضل الله ومثابرة الشباب الذي لم يرض بالذل، أسقطنا نظاماً كان يحسبه الناس قد وصل إلى مرحلة من الجبروت لن يتغير بعدها. شكك كثيرون في قدرة الشباب، وقال كثيرون أن الطريق السلمي لن تأت بشيء. لكن إيماننا كشباب في الله أولاً وفي أنفسنا وقدراتنا هو ما خلق هذه الثورة، وجعلنا نثبت عند الشدائد ونواجه التحديات. فالشباب الذين بدأوا شرارة الثورة ليسوا أبناء الأمس، وهذه الثورة ليست وليدة اليوم، ولم تكن حركة عشوائية. إنما هي نتاج لمحاولات مستمرة لشباب همه الأول إيصال مصر إلى مكانتها التي تستحقها، وأنا يكون للمصري كرامة وعزة.
أنا كشاب من شباب 6 إبريل، الحركة التي ذاع سيطها في الفترة الأخيرة، لم نكن نطمع في شيء، فكلنا مرتاحون، نأخذ مصروفنا من أهالينا ونأكل ونشرب ولا ينقصنا الحمد لله شيء. إنما ما كان ينقصنا فعلاً هو رؤية مصر تتألم وتنحدر شيئاً فشيئاً إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً وأخلاقياً... حركنا جميعاً حب مصر منذ زمن، ووسط قلق أهالينا، وحدود خوف فرضها المجتمع، رفضنا أن نقف مكتوفي الأيدي. قد أكون لم أعاني كمن عانوا كثيراً غيري، ولكني كنت كغيري مستعداً لدفع أي ثمنناً لتحرير مصر ومن ثم نفسي.
لم تكن حركتنا السياسية أو غيرها من الحركات المماثلة تعمل على الجانب السياسي فقط، ومعظمنا من الشباب من مختلف الإنتماءات لا يشتغل السياسة، إنما كانت مهمتنا هي تغيير فكر شعب إعتاد الذل، وألف الخوف. مهمة لم تكن بسيطة. ضحى في سبيلها كثيرون، تحملوا الضرب، والإعتقال، والسب والشتم، والأهم كان العامل النفسي. ففي ظل مجتمعاً خائفاً مكتوف الأيدي كان من يقول كلمة الحق منبوذاً، يخافه الجميع.
بدأ شباب منذ سنوات في الإحتجاجات والمظاهرات، لكنهم لم يُسمعوا. لم يفقدوا الأمل، وظلوا متمسكين بربهم وإيمانهم به أنه لن يخذلهم. كنت أتعجب كثيراً عندما أرى من يعتقل، وعندما يخرج من سجنة تزداد حدته. وكأن السجن قد قوّاه. أمثال هؤلاء الشباب هم من أعطاني الثقة، وأزال من قلبي الخوف من أمن الدولة. فآمنت بما أفعله أنه الحق. وعندما جائت الدعوى بإقامة ثورة يوم 25 يناير، كنت حينها في أسيوط، نظمنا أنفسنا في أسيوط لهذا اليوم. وتفاعل الناس معنا شجعنا، وأعطانا دفعة من الأمل. ولكن عندما بدأنا المظاهرات لم يلتفت إلينا أحد، وتركونا نُعتقل وحدنا. خاف الناس من المشاركة. أُعتفلنا أربعة أيام، لم يهمنا خلال هذه المدة سوى ماذا يفعل إخواننا في القاهرة. خرجنا يوم السبت الذي تلى جمعة الغضب، وحينها كانت المفاجئة السارة لنا جميعاً، أنا إخواننا على أعتاب إنتصار. سافرت يومها إلى القاهرة، أعد الساعات حتى أصل، وعندما وصلت، نزلت من القطار لم أجد عسكري شرطة واحد في الشوارع. كانت فرحتي حينها لا توصف. ثم رأيت تكاتف جميع فئات الشعب للدفاع عن بيوتهم وعائلاتهم، لم أستطع حبس دموعي حينها.
ما فاجئني بعد ذلك هو الإنتقاد اللاذع الذي إنتقده لنا الناس، وأننا مخربون، مندفعون لا نعرف خطورة ما نفعله. كنت دائماً انظر لهؤلاء الشباب بالتحرير أنهم أبطال، لم يقدَّر لي أن أصبح مثلهم، فقد أُعتقلت ولم أستطع أن أفعل شيئاً. رقض عائلتي الشديد للنزول والوقوف مع هؤلاء الأبطال، وحبسهم لي بالمنزل، جعلني أقفز من البلكون هارباً  حتى أشارك معهم كي أشعر أنه كان لي دوراً ولو بسيطاً في هذه الثورة الطاهرة. وعندما رأيت التحرير، ذهلت وشعرت لأول مرة بالفخر أنني مصري.
ها قد زال مبارك ونظامه، الذي عيشنا في ذل لأكثر من نصف قرن. ماذا تجد من الناس؟! يبكون على رحيله عشان بالمصري صعبان عليهم، والعاطفة المصرية الطاغية التي تحرك المصريون، جعلت البعض ينظم لمظاهرة وفاء جميل لمبارك. هؤلاء من كانوا يسبون الشباب لأنهم أفسدوا الإقتصاد المصري، وعطلوا مصالح الشعب المصري، سينزلون يهتفوا لمبارك. أنا لا أعترض على الفكرة نفسها، وإن كنت كارهاً لمبارك لا أستطيع منع نفسي من كرهه، وإنما شعب بهذا التفكير لن يتقدم. سوف يخلق مباركاً آخراً يجعله يعاني 30 عاماً آخرون. شعب قد أحب الذل والظلم والقهر، لن يعتاد يوماً على الحرية. هؤلاء من كانوا خائفون على الإقتصاد المصري، لا يشغلوا نفسهم الآن كيف سنبني البلاد، وما الذي تطلبه منا مصر، فلم يعتادوا أن يتولوا زمام الأمور. لم يروا زميل أو صديق لهم يستشهد من رصاص أطلق بأوامر مبارك، لم يروا من أصيب برصاصة ومازال واقفاً يطالب بالتغيير، لم يروا كم كان الأمن قاسياً، وكيف أُخططف المعتقلون. لم يروا الشباب الذين بقوا في التحرير لتنظيف المكان بكل رقي وحضارة. سريعاً ما حنُّوا إلى أيام مبارك. سريعاً ما نسوا دم الشهداء، من ضحوا حتى يعيش غيرهم الحرية. سخط الناس وكرههم لمبارك سرعان ما تحول إلى حب وتقدير لشخص قاتل، ولوم وعتاب لنا الشباب وكأننا نحن من قتل وسجن خلال الـ 30 عاماً الماضية.
إني أحمد الله أنه كان لي دوراً ولو صغيراً في الثورة. يكفيني فخراً أني هتفت بعلو الصوت يسقط حسني مبارك.
تحيا مصر حرة أبداً ودوماً

1 التعليقات:

شيماء مختار يقول...

اولا اسلام احييك على مقالتك التي تعبر عن حالك او عن ارائك ولكن لي انتقاد على جزء معين من مقالتك وهو تعاطفنا مع مبارك نحن لسنا متعاطفين مع مبارك او حزانه عليه بقدر حزننا للشهداء و تعاطفنا مع اهليهم الفرق لا يقاس باي شكل ولكن الا تعرف ان حسني فعل لمصر في اول 15 عام له الكثير من الانجازات التي لا يمكن لاي شخص ايا كان كرهه لمبارك ان ينكرها اليس من حقه ان نشكره على هذه الانجازات و ليس المصري الذي يخرج مهان امام جميع الدول بهذا الشكل و لانه مصري يجب ان نكرمه الا اني ارى ان تكريمه هذا ليس على فراغ بل على انجازات فعلها
وفي النهايه اشعر ان حسني مبارك غدر بيه وهذا ليس احساسي لوحدي فارى كثيرا يشعرون ما اشعر وارحموا عزيز قوم ذل
بسم الله الرحمن الرحيم
وليعفوا وليصفحوا الا تحبون ان يغفرالله لكم والله غفور رحيم صدق الله العظيم

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More